الانتحار و"الكاشو" والإضراب عن الطعام.. هكذا سكن "الرعب" سجون التامك
لم يكن إعلان إدارة السجن المحلي "العرجات 2" بسلا عن وفاة سجين بعد وضعه حدا لحياته شنقا، إلا حلقة جديدة في مسلسل الفظائع التي باتت تعيشها السجون المغربية بشكل متكرر، والتي وضعت المندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج ومندوبها العام محمد صالح التامك في مأزق حقيقي، في ظل اعتماد لغة البيانات الباردة التي تُبعد المسؤولية عن الإدارة.
ومرة أخرى فسرت المؤسسة السجنية ما جرى بوجود "اضطراب نفسي حاد وميولات انتحارية" لدى النزيل المتوفي المعتقل احتياطيا، دون تحديد المسؤوليات حول ما جرى وهو الأمر الذي أصبح في ملعب النيابة العامة، بعد إقرار إدارة السجن بأن المعني بالأمر الذي كان تحت مراقبة طبية، شنق نفسه في غفلة من الحراس ومن زملائه.
مسلسل الانتحارات
لكن هذه الواقعة ليست استثناء، فالسجون المغربية شهدت في العديد من المرات حالات انتحار مماثلة وأحيانا أكثر غموضا، من أبرزها انتحار النزيل "أ.غ" المتحدر من طنجة بسجن العرجات بسلا أيضا، حيث وُجد ميتا بعدما لف حول عنقه "مشنقة" صنعها من ملابسه الداخلية، غير أن أسرة وأصدقاء الشاب المتابع في إحدى قضايا "الإرهاب"، أكدوا خلال جنازته في شهر أكتوبر من العام الماضي، أن في الأمر سرا وأن المعني بالأمر بعيد عن الأفكار الانتحارية.
وكانت هذه الواقعة قد أثارت ضجة كبيرة، حيث دعت اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، إلى "التدخل العاجل لوقف مجزرة حقوقية تدفع بالسجناء والسجون إلى ما لا يحمد عقباه"، محملة مسؤولية ما يجري إلى كل من رئيس الحكومة ووزير العدل والوزير المكلف بحقوق الإنسان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وكذا إلى المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج.
لكن هذه الحالة لم تكن الأولى ولا الأخيرة، بل إن الغريب هو تكرار مثيلاتها بالطريقة نفسها، ففي أبريل من العام الجاري مثلا انتحر سجين مدان بالاتجار في المخدرات داخل مرحاض بسجن تطوان مستعملا قطعة من القماش لشنق نفسه، رغم أن الحكم الصادر في حقه كان ابتدائيا فقط ولا تزيد مدته عن سنتين.
وفي شهر أكتوبر من هذا العام تكرر السيناريو نفسه مع شاب في العشرينيات من عمره، والذي انتحر أيضا داخل مرحاض بالسجن الفلاحي لتارودانت مستعملا قطعة قماش لفها حول عنقه، رغم أن العقوبة التي كان يقضيها بسبب تشكيل عصابة إجرامية والسرقة الموصوفة، ليست مدة طويلة إذ حُددت في سنتين.
وضع إنساني قاسٍ
لكن الانتحار ليس الشبح الوحيد الذي يطارد "السجان الأول للمملكة"، بل أيضا الوضع الإنساني والحقوقي للسجناء الذي بات محل العديد من علامات استفهام في عهد التامك، والذي لسوء حظه تزامنت فترة مهامه مع سجن العديد من الأسماء البارزة في المجالات السياسية والإعلامية والحقوقية، من أبرزها الصحافيان توفيق بوعرين وحميد المهداوي، ونشطاء حراك الريف ومن بينهم قائده ناصر الزفزافي، ما جعل الرأي العام يتابع ما يجري عن قرب.
وكان بوعشرين، مؤسس جريدة "أخبار اليوم" ومدير نشرها السابق، الذي يقضي حاليا محكومية مدتها 15 سنة، قد أعلن هذا الشهر بدأ إضراب عن الطعام احتجاجا على "ظروف سجنه الصعبة"، و"تدهور وضعه الصحي"، وهو الأمر الذي كشفت عنه زوجته بعد "قيام إدارة سجن عين برجة بمصادرة الرسائل الموجة إليه من أبنائه"، قبل أن تعلن المندوبية العامة للسجون عن وَقفِه الإضراب.
وفي شهر شتنبر الماضي دخل الصحافي حميد المهداوي، مدير نشر موقع "بديل" والمحكوم بالسجن 5 سنوات نافذة، في إضراب عن الطعام داخل زنزانته بسجن تيفلت احتجاجا على "منعه من العلاج وحرمانه من الزيارة"، وفق ما أعلنت عنه زوجته حينها، والتي تحدثت في بيان عن معاناته من "ظروف سجن قاسية" حيث إنه "يمنح طعاما رديئا ولا يسمح له بالحصول على كرسي أو طاولة".
أما ناصر الزفزافي، الذي دخل التامك في صراع معه ومع عائلته بلغ حد اتهام والده بـ"الاسترزاق والاتجار بقضية أحداث الحسيمة"، فكان قد اتهم إدارة سجن راس الماء بفاس بتعذيبه، بل إنه وجه شكاية للنيابة العامة يتهم فيه المندوب العام للسجون بـ"تهديد حياته"، في الوقت الذي دخل فيه رفيقاه ربيع الأبلق وجمال بوحدو في إضراب طويل عن الطعام بسجن "طنجة 2" وهو الأمر الذي أكده حقوقيون ومحامون، فيما نفته مندوبية السجون.
إنه زمن الكاشو
ووجد التامك نفسه أمام اتهامات جديدة بـ"انتهاك حقوق الإنسان" الشهر الماضي، بعد قراره وضع مجموعة من معتقلي حراك الريف في الزنزانة الانفرادية "الكاشو" لمدة شهر ونصف، في إطار ما وصفه بأنه "عقوبة تأديبية" بسبب اعتدائهم على حراس السجن، بل إنه دافع عن هذه العقوبة عندما ذكره رفيقه السابق، عبد الجليل طليمات، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سابقا بقسوة هذه العقوبة، قائلا (أي التامك) إنها عقوبة "منصوص عليها في القانون المنظم للمؤسسات السجنية ومتناسبة مع المخالفات المرتكبة من طرف المعنيين بها".
لكن مندوب السجون سيتلقى صفعة قوية من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي بعث وفدا نسق عمله رئيس اللجنة الدائمة المكلفة برصد انتهاكات حقوق الإنسان بالمجلس وطبيب شرعي، يومي 7 و8 نونبر الماضي للمؤسسات السجنية "تيفلت 2" و"تولال 2" بمكناس و"رأس الماء" بفاس و"عين عائشة" بتاونات وسجني تازة وكرسيف، والذي خلص إلى أن وضع العديد من الزنازين الانفرادية "غير إنساني".
وذكر التقرير صراحة أن الوفد اطلع على "الظروف المزرية للزنزانات التأديبية، التي لا تتوفر فيها الإنارة والتهوية، بشكل لا يحترم مقتضيات المقتضى 13 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء"، وهو الأمر الذي لم يجد التامك من تبرير له سوى انتقاد "عدم الإشارة إلى زنازين التأديب الأخرى المستوفية للشروط المطلوبة".